ريمان برس - متابعات -
"ذكريات رمضانية".. زاوية رمضانية تجمع الشعراء والأدباء العرب، خلال هذا الشهر الفضيل، حيث نستضيف عبرها أحد الضيوف، ليتحدث عن ذكرياته الرمضانية. وفي هذه الحلقة، ينعي الأديب والكاتب اليمني الكبير عبد الرحمن بجاش، "مدفع رمضان والمسحراتي" ، اللذين اختفيا في الكثير من البلدان العربية، ويؤكد بأنهما كانا أكثر ارتباطا بحياة المجتمع في هذا الشهر الكريم، حيث كان الجميع يتسابق لسماع صوتهما بشغف وإعجاب شديد، اما اليوم فقد أنتهى دورهما. معربا عن اسفه لما آل اليه رمضان اليوم، خاصة فيما يتعلق بتواري واندثار العديد من الطقوس والعادات الرمضانية. مشدداً على أن رمضان الأمس كان يفوح بعبق العادات والتقاليد. ويصف الرجل علاقته برمضان بـ" الحميمية"، ولاسيما رمضان في القرية، مع جلسات السمر والعادات والتقاليد التي ترتبط بهذا الشهر الفضيل، خاصة تلك الأهازيج التي ارتبطت برمضان. ويؤكد بجاش، بأن مخيلته تكتظ بالكثير من الذكريات التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، والتي في معظمها ذكريات ومواقف جميلة ورائعة. ولاسيما عند انتقاله من القرية إلى مدينة تعز(جنوب اليمن) . ويقول، لا زلت أتذكر وأنا صغير استعدادات الناس لاستقبال رمضان والتي تبدأ منذ الخامس عشر من شهر شعبان والخروج من المنازل مُرددين ما يُسمى بـ"تماسي رمضان" خاصة الأطفال والذين كانوا يرددون الأناشيد:

يا رمضان يا بو الحمائم

أدي لأبي قرعة دراهـم

يا رمضان يا بو المدافع

أدي لنا مخزن بضائـع

كما ينطلق الأطفال صوب المنازل في الحارات والأحياء، منشدين:

يا مساء أسعد الله المساء

يا مسا جدد الله الكسا

يا مسا جيت أمسي عندكم

يا مسا والجمالة هي لكم

فكان رب الأسرة يرمي على الأطفال بالنقود، لكن هناك من يمتنع عن رمي النقود ويستبدله بقذف الماء على رؤوسنا.

وعن ذكرياته لتلك المواقف الطريفة التي ارتبطت بهذا الشهر في طفولته، يقول عبد الرحمن بجاش، أذكر أنني وأحد رفقاء الطفولة، كنا نذهب إلى إحدى المحال مساء رمضان لنمارس لعبة مفضلة هناك ، وذلك خلسة من الأهل. فكان صاحب المحل "الزريقي" مهووس- حينها- بالمقاومة الشعبية، فبعد أن ينتهي من عمله في المحل، كان يقوم بإغلاق أبواب المكان من الداخل ويبدأ في تنفيذ تدريبات للعمال، وصادف أنني كنت موجود في إحدى تلك الأماسي أنا وزميلين لي داخل المحل، حيث طلب منا صاحب العمل المشاركة بالتدريب، بل أصر على ذلك، رغم محاولة توضيحنا له بأننا لسنا من العمال أو من أفراد المقاوم، لكنه أصر، وبالفعل استمرينا إلى وقت متأخر في عملية التدريب والأبواب مغلقة علينا، وهذا تسبب في عملية تأخيرنا في العودة إلى بيوتنا، مما عرضنا إلى الضرب من قبل الأهل وتم حرماننا من الخروج مساء، رمضان طوال الشهر .

ويعود ضيفنا في ذاكرته إلى الوراء، حيث رمضان الامس، مؤكدا بان هناك اختلاف كبير بين رمضان الامس واليوم، رمضان الأمس كان يفوح بعبق العادات والتقاليد الرمضانية .كان كثيراً ما يتم الاستعداد له، خاصة من قبل المثقفين، من خلال تجهيز مجموعة كبيرة من الكتب، ليتم قراءتها في ليالي رمضان، اليوم لا شيء من ذلك ، ولعبت وسائل الاتصال والفضائيات دور سلبي في إفساد الجو الرمضاني.

كما يجد ضيفنا في هذه الزاوية مناسبة هامة، لينعي فيها "مدفع رمضان" . حيث يقول الكاتب الكبير عبد الرحمن بجاش: "مدفع رمضان" كان أكثر ارتباطا بحياة المجتمع في هذا الشهر الكريم، لكنه من خلال التلفزيون وغيره، انتهى دوره، على الرغم من أننا كنا في السابق نترقب صوته بشغف وإعجاب شديد.

بجاش أعرب عن أسفه وحزنه الشديد لاختفاء" المسحراتي" !. وسرد ضيفنا الكثير من طقوس جلسات السمر التي كانت ترتبط في رمضان والتي لازالت في مخيلته، مطلقا تساؤل حزين بقوله:(لم يعد هناك جلسات سمر جماعية بالمعنى المتعارف علية، من روحانية وطمأنينة، أين جلسات الإنشاد والمواليد، وسارد الحكايات والقصص )!! ، كما يؤكد في نفس الوقت على اختفاء عادة "تماسي الأطفال " ، ليحل بديلا عنها، أصوات المفرقعات !
وكالة انباء الشعر