ريمان برس - خاص -
من يريد أن يعرف أو يستشرف مستقبل هذه الأمة التي يطلق عليها الأمة العربية، عليه أن يتأمل ما يجري في كبري دولها وأهم دولها _ مصر _ التي تعد بمثابة الأيقونة التي أو " القاطرة" التي تقطر خلفها بقية مكونات الأمة من محيطها إلى خليجها..!
هذه الأمة أعتادت أن تلحق دوما ب _ مصر _ وخلف مصر تسير طوعا أو كرها، فأن غنت مصر "والله زمان يا سلاحي" ردد خلفها المحيط والخليج ذات اللحن والاغنية، وأن غنت مصر " السح ألدح أمبو" غني مثلها المحيط والخليج..!
أوقفني مهرجان افتتاح " المتحف المصري الكبير" الذي حمل رسالة مهمة، حددت مستقبل الأمة والحال الذي سوف تسير عليه، والذي يحول الدول والكيانات الوطنية الي مجرد " مستثمرين" وحين تتماهي الدولة مع رجال الأعمال في إدارة شئون ألوطن والتعامل مع مواطنيها ومع الآخرين بما في ذلك خصومها فأن دور الدولة هنا يختفي وتختفي معها كل ما يتصل بالسيادة والكرامة والتأثير الحضاري وحتى الهوية الوطنية، لأن الدولة هنا تصبح مجرد تاجر يبحث عن الملاذات الآمنة، وأن كانت ثمة مقولة تصف " الرأسمال بالجبان" وهذا حال الدول العربية التي تتلمس اليوم أمنها وأن على حساب ادوارها المحورية ذات الأبعاد السياسية والجيوسياسية والحضارية والتاريخية..
مؤسف جدا أن نرى مصر بكل ثقلها ودورها ورسالتها تختزل ذاتها في إطار إستثماري ليس إطارها فيما هناك من يحاول العبث بدورها وحشرها داخل برواز الهم اليومي وإشغالها بتوفير رغيف الخبز لمواطنيها _ ومع ذلك حتى هذه المهمة لم تتحقق ولم يصل الرغيف لنسبة غالبة من أبناء الشعب _ بدليل ما تواجهه مصر من أزمات ومحاولات لتطويق وتقلي دورها الجيوسياسي المحوري في الأمة وتحويلها إلى مجرد تاجر منزوع العقيدة والهوية والدور..!
خلال مهرجان افتتاح" المتحف المصري الكبير" تجاهل جميع المتحدثين كلمة "العروبة والعرب" حتى أسم الجمهورية تم بتره واختزل في "مصر" في سياسة تأصيل الهوية " الفرعونية لمصر" فيما عبارة "السلام" ترددت مئات المرات بما في ذلك وثيقة "سلام" أبرمها رمسيس الثاني، مع أن علماء التاريخ أجزموا جميعا بأن رمسيس الثاني مزور زور كل الأحداث التي حققها رمسيس الأول ونسبها لنفسه، حتى أن أحد المفكرين العرب من أبناء الكنانة قارن رمسيس الأول بالزعيم جمال عبد الناصر، ورمسيس الثاني بالسادات..!
رغم كل هذه الملاحظات أخشى أن يكون المهرجان الكرنفالي الذي شهدته القاهرة شبيه بالمهرجان الذي شهدته صنعاء حين اختيرت لتكون مقرا " لمؤتمر الديمقراطيات الناشئة" الذي منحنا قدرا من النشؤة والتفاخر وبعده شاهدنا الويلات والي اليوم، فهل يكون مهرجان القاهرة الكرنفالي بداية لإنفاذ مؤامرة مرتقبة تنسج ضد مصر الدور والهوية والإرادة والقرار..؟!
مصر قلب العروبة النابض ومصر جزءا اصيلا من الأمة العربية، ومصر لن تكون إلا بهويتها العربية، إذ لا عروبة بدون مصر ولا مصر بدون العروبة وليس صحيحا ما ذهب إليه طه حسين ذات يوم وبعده نجيب محفوظ من تأكيد " فرعونية مصر"ليرد عليه لاحقا الزعيم جمال عبد الناصر وينسف فكرته العنصرية..!
غير أن "السادات" استأسد هذا الانتماء في عهده حين أوعز لبعض كتابه والمقربين منه لإعادة أحياء شعار "فرعونية مصر" بعد زيارته للكيان الصهيوني ابرام اتفاقية السلام ومقاطعة العرب لمصر.. والمؤسف أن نظام "كمب ديفيد" أوجد طبقة سياسية يمكن وصفها ب"الابتزازية" أن تقاطعت مصالحها مع النظام العربي القطري تصبح مصر عربية، وأن تنافرت المصالح تصبح مصر فرعونية..؟!
بمعزل عن كل هذا فأن مصر أكبر بدورها عن كرنفال الجيزة الذي تم تقديمه بطريقة الابتسار والأستلاب وكأن من أشرف إخراجه يريد إخراج مصر من هويتها ودورها ورسالتها الحضارية والتاريخية، ويظهرها وكأنها مجرد " بازار" وحارسة السلام مع العدو وذات " هوية إنسانية مطاطية" ليقطع أمامها طريق نضالها الحضاري المفترض أن تقوم به تجاه أمتها العربية..!
للحديث تتمة |